الثلاثاء، 1 فبراير 2022

نوافذ مشرعة على الليل لجواد وحمو





نوافذ مشرعة على الليل لجواد وحمو


         كتبها :   مصطفى لغتيري                                                                                






من هنا يأخذ الشعر دربته في الكلام
يسير على هامش النص دوما
و يرحل دون سراب الروي
بقربان هاجسه في القوافي
على وتيرة هذا الإيقاع الجميل ، المترع بالأحاسيس المفرطة تجاه القصيد يؤسس جواد أحمو علاقته مع الشعر ، وكأني به يعقد - في ديوانه الأول- ميثاقا ضمنيا مع قارئه .. فدون تهيب و لا مواربة يعلن الشاعر اختياره ، بل وانتصاره لاتجاه معين في نظم جميل القول ، إذ يكفي المرء التأمل في هذا المقطع ليتحدد أمام ناظريه أي نوع من الشعر يستهوي شاعرنا .. قد تكون قصائد الديوان أول الغيث ، لكنه ذلك النوع من القطر ، الذي أبدا لا ينضب رواؤه ، ولا يجف معينه
من هنا يأخذ الشعر دربته في الكلام :
أسير على أول السطر دوما
وأحلم خلف إطار البياض
بملحمة قد تساورني في الجفاف
القصائد في" نوافذ مشرعة على الليل " مترعة بهموم الذات ، ومنفتحة على الحلم وسحر العبارة .. ومؤثثة بصور شعرية ، تعمد إلى عناصر العالم و أشيائه ، فتنسج منها - على إيقاع السؤال- هوية الشاعر المثقلة بالحزن والاغتراب:
لماذا تأخرت أكثر مما انتظرتك؟
كان المساء ثقيلا على جسدي كالجليد
و ثلج الطريق إلى البيت
يندف خوفي عليك
الشاعر هنا يسترق النظر من بعيد ، فتلوح له جحافل الجند قادمة في مسيرها الأبدي نحو المصير المجهول .. تعقد الدهشة لسانه ، ببراءة نظرة طفولية ، هي من حيث العمق سمة الشاعر، تحددرؤيته للذات والعالم من حوله، يمتد الصمت فينوب القصيد
نسمي السماء ترابا
ونألفها في زوايا الحجر
يقول الجنود
وينطلقون مع الفجر
يختلفون على كل شيء
ويتفقون على موعد للرصاص
في بعض قصائد الديوان نفحة وجودية ، تعلن عن نفسها في استحياء ،و تمة اغتراب الذات ، وهموم الانوجاد في عالم فاقد للمعنى .. تجلى بعض ذلك في رحلة يومية للإنسان يسردها الشاعر شعرا ، وهي في عمقها مؤطرة بالعبث:
ربما في الصباح
يعبر
يلقي التحية
تمرق بين الأصابع تغرق في صخب الأصدقاء
فيختار مقعده في النهاية
يشعل سيجارة
ثم ينفث دخانها في الهواء
و ينفث أيامه في احتضار
الإنسان في الديوان هش ، خائف ، تطارده الكوابيس و الأحزان ، و أينما ولى وجهه ، فتمة الموت يترصد خطواته المتعبة:
و تتركني خائفا في المرايا
أراود أحلام قيلولتي
عند المقبرة
عن شهقة رثاء
و كأني بالشاعر في هذه القصائد يرثي نفسه ، فقد أعلن في أكثر من قصيدة عن موته ، وبالطبع هو موت معنوي ، ساهمت في اقترافه أنياب الحضارة ، الساحقة للإنسان و خصوصيته
أنا ميتك الآن يا أرض
بيني و بينك ضبح الخيول
إذا حمحمت في الربى و السهول
فهلا سألت الخيول
ولا يكتفي الشاعر برثاء نفسه بل و يأبى إلا أن يحرض الأرض على تأبينه ، لتطلق في المدى صرخة عويل تماثل صرخة الخنساء حزنا على أخيها صخر ، الفقيد / الشهيد:
فيا أرض إن كان موتي نشيدا
فغنيه قربي
فلحن الغناء يغير شكلي
ويقتلني في الممات
لكي أصبح الآن حيا

هي بحق أسطورة العنقاء تتجدد ضمنيا في الديوان ، فالشاعر مثلها- أي العنقاء- ينبعث حيا بعد موته .. ولعل هذا التوظيف الجميل و المعبر ، الذي اختتم به الشاعر إحدى قصائده ، يعبر بحق عن نغمة تفاؤلية تعقب ترنيمة الحزن الطاغية على القصائد .. الشاعر إذن رغم هموم الذات و انتكاسات الواقع ، ينتصر - في آخر المطاف- للحياة ، حتى و إن كانت هذه الحياة لا تتحقق إلا بعد موت معنوي ، ضاج بالمعنى وحافل بالمؤشرات المحرضة على التأويل بل و كذلك على السفر الممتع في وهاد قصائد الديوان الماتعة. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق